فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن الكفار لما أوردوا تلك الشبهة.
وأجاب نوح عليه السلام عنها بالجوابات الموافقة الصحيحة أورد الكفار على نوح كلامين: الأول: أنهم وصفوه بكثرة المجادلة فقالوا: يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا، وهذا يدل على أنه عليه السلام كان قد أكثر في الجدال معهم، وذلك الجدال ما كان إلا في إثبات التوحيد والنبوة والمعاد، وهذا يدل على أن الجدال في تقرير الدلائل وفي إزالة الشبهات حرفة الأنبياء، وعلى أن التقليد والجهل والإصرار على الباطل حرفة الكفار.
والثاني: أنهم استعجلوا العذاب الذي كان يتوعدهم به، فقالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} ثم إنه عليه السلام أجاب عنه بجواب صحيح فقال: {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَاء وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} والمعنى أن إنزال العذاب ليس إلي وإنما هو خلق الله تعالى فيفعله إن شاء كما شاء، وإذا أراد إنزال العذاب فإن أحدًا لا يعجزه، أي لا يمنعه منه، والمعجز هو الذي يفعل ما عنده لتعذر مراد الغير فيوصف بأنه أعجزه، فقوله: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} أي لا سبيل لكم إلى فعل ما عنده، فلا يمتنع على الله تعالى ما يشاء من العذاب إن أراد إنزاله بكم، وقد قيل معناه: وما أنتم بمانعين، وقيل: وما أنتم بمصونين، وقيل: وما أنتم بسابقين إلى الخلاص، وهذه الأقوال متقاربة.
واعلم أن نوحًا عليه السلام لما أجاب عن شبهاتهم ختم الكلام بخاتمة قاطعة، فقال: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} أي إن كان الله يريد أن يغويكم فإنه لا ينفعكم نصحي ألبتة، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الله تعالى قد يريد الكفر من العبد، وأنه إذا أراد منه ذلك فإنه يمتنع صدور الإيمان منه، قالوا: إن نوحًا عليه السلام قال: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} والتقدير: لا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم ويضلكم، وهذا صريح في مذهبنا، أما المعتزلة فإنهم قالوا ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى إن أراد إغواء القوم لم ينتفعوا بنصح الرسول، وهذا مسلم، فإنا نعرف أن الله تعالى لو أراد إغواء عبد فإنه لا ينفعه نصح الناصحين، لكن لم قلتم إنه تعالى أراد هذا الإغواء فإن النزاع ما وقع إلا فيه، بل نقول إن نوحًا عليه السلام إنما ذكر هذا الكلام ليدل على أنه تعالى ما أغواهم، بل فوض الاختيار إليهم وبيانه من وجهين الأول: أنه عليه السلام بين أنه تعالى لو أراد إغواءهم لما بقي في النصح فائدة فلو لم يكن فيه فائدة لما أمره بأن ينصح الكفار، وأجمع المسلمون على أنه عليه السلام مأمور بدعوة الكفار ونصيحتهم، فعلمنا أن هذا النصح غير خال عن الفائدة، وإذا لم يكن خاليًا عن الفائدة وجب القطع بأنه تعالى ما أغواهم، فهذا صار حجة لنا من هذا الوجه.
الثاني: أنه لو ثبت الحكم عليهم بأن الله تعالى أغواهم لصار هذا عذرًا لهم في عدم إتيانهم بالإيمان ولصار نوح منقطعًا في مناظرتهم، لأنهم يقولون له إنك سلمت أن الله أغوانا فإنه لا يبقى في نصحك ولا في جدنا واجتهادنا فائدة، فإذا ادعيت بأن الله تعالى قد أغوانا فقد جعلتنا معذورين فلم يلزمنا قبول هذه الدعوة، فثبت أن الأمر لو كان كما قاله الخصم، لصار هذا حجة للكفار على نوح عليه السلام، ومعلوم أن نوحًا عليه السلام لا يجوز أن يذكر كلامًا يصير بسببه مفحمًا ملزمًا عاجزًا عن تقرير حجة الله تعالى، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية لا تدل على قول المجبرة، ثم إنهم ذكروا وجوهًا من التأويلات: الأول: أولئك الكفار كانوا مجبرة، وكانوا يقولون إن كفرهم بإرادة الله تعالى، فعند هذا قال نوح عليه السلام: إن نصحه لا ينفعهم إن كان الأمر كما قالوا، ومثاله أن يعاقب الرجل ولده على ذنبه فيقول الولد: لا أقدر على غير ما أنا عليه، فيقول الوالد فلن ينفعك إذًا نصحي ولا زجري، وليس المراد أنه يصدقه على ما ذكره بل على وجه الإنكار لذلك.
الثاني: قال الحسن معنى: {يُغْوِيَكُمْ} أي يعذبكم، والمعنى: لا ينفعكم نصحي اليوم إذا نزل بكم العذاب فآمنتم في ذلك الوقت، لأن الإيمان عند نزول العذاب لا يقبل، وإنما ينفعكم نصحي إذا آمنتم قبل مشاهدة العذاب.
الثالث: قال الجبائي: الغواية هي الخيبة من الطلب بدليل قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} [مريم: 59] أي خيبة من خير الآخرة قال الشاعر:
ومن يغو لا يعدم على الغي لائمًا

الرابع: أنه إذا أصر على الكفر وتمادى فيه منعه الله تعالى الألطاف وفوضه إلى نفسه، فهذا شبيه ما إذا أراد إغواءه فلهذا السبب حسن أن يقال إن الله تعالى أغواه هذا جملة كلمات المعتزلة في هذا الباب. والجواب عن أمثال هذه الكلمات قد ذكرناه مرارًا وأطوارًا فلا فائدة في الإعادة.
المسألة الثانية:
قوله: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} جزاء معلق على شرط بعده شرط آخر وهذا يقتضي أن يكون الشرط المؤخر في اللفظ مقدمًا في الوجود وذلك لأن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار، كان المفهوم كون ذلك الطلاق من لوازم ذلك الدخول، فإذا ذكر بعده شرطًا آخر مثل أن يقول: إن أكلت الخبز كان المعنى أن تعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأول مشروط بحصول هذا الشرط الثاني والشرط مقدم على المشروط في الوجود فعلى هذا إن حصل الشرط الثاني تعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأول إما إن لم يوجد الشرط المذكور ثانيًا لم يتعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأول، هذا هو التحقيق في هذا التركيب، فلهذا المعنى قال الفقهاء: إن الشرط المؤخر في اللفظ مقدم في المعنى، والمقدم في اللفظ مؤخر في المعنى.
واعلم أن نوحًا عليه السلام لما قرر هذه المعاني قال: {هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وهذا نهاية الوعيد أي هو إلهكم الذي خلقكم ورباكم ويملك التصرف في ذواتكم وفي صفاتكم قبل الموت وعند الموت وبعد الموت مرجعكم إليه وهذا يفيد نهاية التحذير.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)}
اعلم أن معنى افتراه اختلقه وافتعله وجاء به من عند نفسه، والهاء ترجع إلى الوحي الذي بلغه إليهم، وقوله: {فَعَلَىَّ إِجْرَامِى} الإجرام اقتراح المحظورات واكتسابها، وهذا من باب حذف المضاف، لأن المعنى: فعليَّ عقاب إجرامي، وفي الآية محذوف آخر وهو أن المعنى: إن كنت افتريته فعليَّ عقاب جرمي، وإن كنت صادقًا وكذبتموني فعليكم عقاب ذلك التكذيب، إلا أنه حذف هذه البقية لدلالة الكلام عليه، كقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل} [الزمر: 9] ولم يذكر البقية، وقوله: {وَأَنَاْ بَرِئ مّمَّا تُجْرَمُونَ} أي أنا بريء من عقاب جرمكم، وأكثر المفسرين على أن هذا من بقية كلام نوح عليه السلام، وهذه الآية وقعت في قصة محمد صلى الله عليه وسلم في أثناء حكاية نوح، وقولهم بعيد جدًا، وأيضًا قوله: {قُلْ إِنْ افتريته فَعَلَىَّ إِجْرَامِى} لا يدل على أنه كان شاكًا، إلا أنه قول يقال على وجه الإنكار عند اليأس من القبول. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم، افترى افتعل من قبل نفسه ما أخبر به عن نوح وقومه.
{قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَليَّ إجرامي} وفي الإجرام وجهان:
أحدهما: أنه الذنوب المكتسبة. حكاه ابن عيسى.
الثاني: أنها الجنايات المقصودة، قاله ابن عباس ومنه قول الشاعر:
طريد عشيرةٍ ورهين جرم ** بما جرمت يدي وجنى لساني

ومعناه: فعلىّ عقاب إجرامي: {وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ} أي وعليكم من عقاب جرمكم في تكذيبي ما أنا بريء منه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قد جادلتنا}
قال الزجاج: الجدال: هو المبالغة في الخصومة والمناظرة، وهو مأخوذ من الجَدْل، وهو شدة الفتل، ويقال للصقر: أجدل، لأنه من أشد الطير.
ويُقرأ: {فأكثرت جَدْلنا}.
قوله تعالى: {فائتنا بما تعدنا} قال ابن عباس: يعنون العذاب.
{إِن كنت من الصادقين} أنه يأتينا.
قوله تعالى: {إِن أردت أن أنصح لكم} أي: أنصحكم.
وفي هذه الآية شرطان، فجواب الأول النصح، وجواب الثاني النفع.
قوله تعالى: {إِن كان الله يريد أن يُغويكم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يُضلكم، قاله ابن عباس.
والثاني: يُهلككم، حكاه ابن الأنباري: وقال: هو قول مرغوب عنه.
والثالث: يضلكم ويهلككم، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {هو ربكم} أي: هو أولى بكم، يتصرف في ملكه كما يشاء: {وإِليه تُرجعون} بعد الموت.
قوله تعالى: {أم يقولون} قال الزجاج: المعنى: أيقولون: {افتراه}؟ قال ابن قتيبة: الافتراء: الاختلاق.
{فعليَّ إِجرامي} أي: جرم ذلك الاختلاق إِن كنتُ فعلت.
{وأنا بريء مما تُجرمون} في التكذيب.
وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: {فعليَّ أجرامي} بفتح الهمزة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالُواْ يا نوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} أي خاصمتنا فأكثرت خصومتنا وبالغت فيها.
والجَدَل في كلام العرب المبالغة في الخصومة؛ مشتق من الجَدْل وهو شدّة الفَتْل؛ ويقال للصقر أيضًا أَجْدَل لشدّته في الطّير؛ وقد مضى هذا المعنى في الأنعام بأشبع من هذا.
وقرأ ابن عباس {فَأَكْثَرْتَ جَدَلَنَا} ذكره النحاس.
والجَدَل في الدين محمود؛ ولهذا جادل نوح والأنبياء قومهم حتى يظهر الحق، فمن قَبِله أنجح وأفلح، ومن ردّه خاب وخَسِر.
وأما الجِدال لغير الحقّ حتى يظهر الباطل في صورة الحقّ فمذموم، وصاحبه في الدّارين ملوم.
{فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا} أي من العذاب.
{إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في قولك.
قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَاءَ} أي إن أراد إهلاككم عذّبكم.
{وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي بفائتين.
وقيل: بغالبين بكثرتكم، لأنهم أعجبوا بذلك؛ كانوا مَلَؤوا الأرض سهلًا وجبلًا على ما يأتي.
قوله تعالى: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي} إي إبلاغي واجتهادي في إيمانكم.
{إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} أي لأنكم لا تقبلون نصحًا؛ وقد تقدّم في براءة معنى النصح لغة.
{إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} أي يضلّكم.
وهذا مما يدلّ على بطلان مذهب المعتزلة والقَدَرية ومن وافقهما؛ إذ زعموا أن الله تعالى لا يريد أن يَعصي العاصي، ولا يَكفر الكافر، ولا يَغوي الغاوي؛ وأنه يفعل ذلك، والله لا يريد ذلك؛ فردّ الله عليهم بقوله: {إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ}.
وقد مضى هذا المعنى في الفاتحة وغيرها.
وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس على ما بيّنّاه في الأعراف في إغواء الله تعالى إيّاه حيث قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف: 16] ولا محيص لهم عن قول نوح عليه السلام: {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} فأضاف إغواءهم إلى الله سبحانه وتعالى؛ إذ هو الهادي والمضل؛ سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون عُلُوًّا كبيرًا.
وقيل: {أَنْ يُغْوِيَكُمْ} يهلككم؛ لأن الإضلال يُفضي إلى الهلاك.
الطَّبريّ: {يُغْوِيَكُمْ} يهلككم بعذابه؛ حكي عن طيء: أصبح فلان غاويًا أي مريضًا، وأغويته أهلكته؛ ومنه: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، {هُوَ رَبُّكُمْ} فإليه الإغواء، وإليه الهداية.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تهديد ووعيد.
قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} يعنون النبي صلى الله عليه وسلم.
افترى افتعل؛ أي اختلق القرآن من قِبل نفسه، وما أخبر به عن نوح وقومه؛ قاله مقاتل.
وقال ابن عباس: هو من محاورة نوح لقومه وهو أظهر؛ لأنه ليس قبله ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه؛ فالخطاب منهم ولهم.
{قُلْ إِنِ افتريته} أي اختلقته وافتعلته، يعني الوحي والرسالة.
{فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أي عقاب إجرامي، وإن كنت مُحقًا فيما أقوله فعليكم عقاب تكذيبي.
والإجرام مصدر أجرم؛ وهو اقتراف السَّيئة.
وقيل (المعنى): أي جزاء جُرْمي وكَسْبي.
وجَرَم وأَجْرَم بمعنى؛ عن النحاس وغيره.
قال:
طَريدُ عَشيرةٍ ورَهينُ جُرْمٍ ** بما جَرَمَتْ يَدِي وجَنَى لِسَانِي

ومن قرأ: {أَجْرَامِي} بفتح الهمزة ذهب إلى أنه جمع جُرْم؛ وذكره النحاس أيضًا.
{وَأَنَاْ بريء مِّمَّا تُجْرَمُونَ} أي من الكفر والتكذيب. اهـ.

.قال الخازن:

{قالوا يا نوح قد جادلتنا} يعني خاصمتنا: {فأكثرت جدالنا} يعني خصومتنا: {فأتنا بما تعدنا} يعني من العذاب: {إن كنت من الصادقين} يعني في دعواك أنك رسول الله إلينا: {قال إنما يأتيكم به الله إن شاء} يعني قال نوح لقومه حين استعجلوه بإنزال العذاب إن ذلك ليس إليّ إنما هو إلى الله ينزله متى شاء وعلى من يشاء إن أراد إنزال العذاب بكم: {وما أنتم بمعجزين} يعني وما أنتم بفائتين إن أراد الله نزول العذاب بكم: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم} يعني ولا ينفعكم إنذاري وتحذيري إياكم عقوبته ونزول العذاب: {إن كان الله يريد أن يغويكم} يعني يضلكم وقيل يهلككم وهذا معنى وليس بتفسير لأن الإغواء يؤدي إلى الهلاك: {هو ربكم} يعني أنه سبحانه وتعالى هو يملككم فلا تقدرون على الخروج من سلطانه: {وإليه ترجعون} يعني في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم: {أم يقولون افتراه} أي اختلقه وجاء به من عند نفسه والضمير يعود إلى الوحي الذي جاءهم به: {قل إن افتريته} أي اختلقته: {فعلي إجرامي} أي إثم إجرامي والإجرام اقتراف السيئة واكتسابها يقال جرم وأجرم بمعنى أنه اكتسب الذنب وافتعله: {وأنا بريء مما تجرمون} يعني من الكفر والتكذيب وأكثر المفسرين على أن هذا من محاورة نوح قومه فهي من قصة نوح عليه السلام وقال مقاتل: {أم يقولون} يعني المشركين من كفار مكة افتراه يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن من عند نفسه فعلى هذا القول تكون هذه الآية معترضة في قصة نوح ثم رجع إلى القصة فقال سبحانه وتعالى: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قد جادلتنا} الظاهر المبالغة في الخصومة والمناظرة.